• ×
الجمعة 29 مارس 2024 | 18-03-2024
الأذكار
×

أسماء سورة فاتحة الكتاب

0
0
1051
 
تسميةُ السور القرآنية توقيفي، فقد كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يحددُ هذه الأسماءَ لأصحابه - رضي الله عنهم - في أثناء كتابتهم للوحي؛ يقول: ((ضعوا هذه الآيةَ أو الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا))[1]، وعلى ذلك فليس لنا أن نطلق لفظ سورة على عدد من آيات القرآن الكريم.
ومن الملاحظ أن السورة القرآنية قد سميت بما يناسب موضوعها، أو باسم شيء بارز ذكر فيها، كالفاتحة لأنها فاتحة القرآن، وإن كانت التسمية لا تحتاج إلى تعليل، ولكن حكمة الله قائمة على الكمال في كل شيء.
ولقد رجح السيوطي [2] أن تسمية السور توقيفية، ثم قال: وقد ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار، ولولا خشية الإطالة لبينت ذلك، واستدل بما أخرجه ابن أبى حاتم عن عكرمة قال: كان المشركون يقولون: سورة البقرة، سورة العنكبوت، يستهزئون بها، فنزل قوله: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ)[3].
وقد مال الزركشي إلى ترجيح هذا الرأي إذ قال: ينبغي البحث عن تَعداد الأسامي هل هو توفيقي أو بما يظهر من المناسبات؟ فإن كان الثاني فلن يعدم الفطن أن يستخرج من كل سورة معاني كثيرة يقتضي اشتقاق أسمائها وهو بعيد أ. هـ [4].
والتحقيق خلاف ما ذهب إليه السيوطي حيث إن جميع أسماء السور لم يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إنما الثابت عنه أسماء بعضها فقط، وبعضها عن الصحابة أو التابعين - رضي الله عنهم -.
ولقد أورد العلماء والمفسرون للفاتحة أسماءً كثيرة لوحظ في كل اسم منها معنى من معانيها، وفائدة من فوائدها؛ يقول السيوطي في الإتقان: وقد وقفت لها على نيف وعشرين اسمًا، وذلك يدل على شرفها؛ فإن كثرة الأسماء دالة على شرف المسمى [5].
فمن هذه الأسماء:
1- فاتحة الكتاب: وقد ورد هذا الاسم فيما رواه ابن جرير بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني)) [6]، وإنما سميت فاتحة الكتاب لأنه يفتتح بكتابتها في المصاحف، فهي فواتح لما يتلوها من سورة القرآن في الكتاب، والقراءة، والتعليم، والصلاة وقيل: لأنها أول سورة نزلت، وقيل: لأنها أول سورة كتبت في اللوح المحفوظ [7].
2- أم الكتاب وأم القرآن: قال الماوردي: "وأما تسميتها بأم القرآن فلتقدمها وتأخر ما سواها تبعاً لها، صارت أمًّا لأنها أمّته أي تقدمته، وكذلك قيل لراية الحرب (أمّ) لتقدمها واتباع الجيش لها.
وقيل لما مضى على الإنسان من سني عمره: (أمّ) لتقدمها [8].
وقد كره ابن سيرين أن تسمى أم الكتاب، وكره الحسن أن تسمى أم القرآن، ووافقهما بقي بن مخلد؛ لأن أم الكتاب هو اللوح المحفوظ قال - تعالى -: (وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ) [9] وقال: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) [10].
قال السيوطي بعد ذلك: "وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة تسميتُها بذلك؛ فأخرج الدارقطني وصححه من حديث أبى هريرة مرفوعًا: ((إذا قرأتم الحمد، فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم، فإنها أم الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني، بسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها))[11].
قال صاحب الإتقان: واختلف لم سميت بذلك، فقيل: لأنها يبدأ بكتابتها في المصاحف، وقراءتها في الصلاة قبل السورة، وجزم بذلك البخاري في صحيحه، واستشكل بأن ذلك يناسب تسميتها فاتحة الكتاب لا أم الكتاب.
وأجيب: بأن ذلك بالنظر إلى أن الأم مبتدأ الولد سميت بذلك لتقدمها وتأخر ما سواها تبعًا لها، ويقال لما مضى من سني الإنسان: "أم" لتقدمها، ولمكة "أم القرى" لتقديمها على سائر القرى.
وقيل: لأن أم الشيء أصله، وهي أصل القرآن لانطوائها على جميع أغراض القرآن وما فيه من العلوم والحكم. وقيل: لأن حرمتها كحرمة القرآن كله. وقيل: لأن مفزع أهل الإيمان إليها. وقيل: لأنها محكمة والمحكمات أم الكتاب [12].
3- القرآن العظيم: فقد روى الإمام أحمد عن أبى هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم))[13] وسميت بذلك لاشتمالها على المعاني التي في القرآن.
4- السبع المثاني: وقد ورد تسميتها بذلك في الحديث المذكور وأحاديث كثيرة، أما تسميتها سبعًا، فلأنها سبع آيات، وقيل فيها سبعة آداب في آية أدب وفيه بعد، وقيل فيها غير ذلك [14].
5- الوافية: كان سفيان بن عينيه، يسميها بذلك لأنها وافية بما في القرآن من المعاني [15].
6- سورة الكنز.
7- الكافية: لأنها تكفي في الصلاة عن غيرها ولا يكفي عنها غيرُها.
8 - الأساس: لأنها أصل القرآن وأول سورة فيه.
9- النور.
10- الحمد.
11- الشكر.
12- الشفاء.
13- الرقية.
14- الشافية.
15- الصلاة [16].
وقد ورد فيها غيرُ ذلك من الأسماء، وكثرةُ الأسماء تدل على شرف المسمى.
قال ابن حجر في فتح الباري: نقل السهيلي عن الحسن وابن سيرين ووافقهما بقي بن مخلد كراهية تسمية الفاتحة أم الكتاب، ولا فرق بين تسميتها بأم القرآن وأم الكتاب، ولعل الذي كره ذلك وقف عند لفظ الأم، وإذا ثبت النص طاح ما دونه [17].
والحق أن التسمية بأم القرآن جاءت في كتب الصحاح؛ من ذلك:
- ما جاء في صحيح البخاري عن عطاء أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: في كل صلاة يُقرأ؛ فما أسمعنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أسمعناكم، وما أخفى عنا أخفينا عنكم، وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت، وإن زدت فهو خير [18].
- ما روى البخاري في صحيحه بسنده إلى أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم)) [19]، وفي صحيح مسلم بسنده إلى أبي بشر - رضي الله عنه - [20] ((فجعل يقرأ أم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ الرجل))[21].
إذًا: هذه التسمية وردت في الصحاح، وليس هناك ما يمنع هذه التسمية.
قال صاحب فتح الباري بعد إيراده لحديث أخرجه الطبري: عن أبى هريرة رفعه: ((الركعة التي لا يقرأ فيها كالخداج، قال: فقلت لأبي هريرة: فإن لم يكن معي إلا أم القرآن؟ قال: هي حسبك، هي أم الكتاب، وهي أم القرآن، وهي السبع المثاني)) [22].
قال الخطابي: وفي الحديث رد على ابن سيرين حيث قال: "إن الفاتحة لا يقال لها: أم القرآن، وإنما يقال لها: فاتحة الكتاب"، ويقول: "أم الكتاب هي اللوح المحفوظ" [23].
وهذا والذي يتضح بعد: أنه ليس هناك ما يمنع أن يكون للفاتحة أسماء كثيرة، فهي تقبل كل هذه الأسماء، وليس هناك ما يمنع تسمية دون أخرى، والله أعلم.
والأولى، والله أعلم، أن نكل العلم في سبب التسمية إلى الله - عز وجل -، وأن نمسك عما أمسك عنه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ هي مسألة لا ينبني عليها كبيرُ عمل؛ فالخوض فيها قد يدخل تحت باب التكلف المنهي عنه.
ـــــــــــــــــ
[1] - جزء من حديث صحيح رواه الإمام أحمد في مسنده 1/57، باب: مسند عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، حديث رقم [399]، ورواه الإمام الحاكم في المستدرك، كتاب: التفسير، 2/241، حديث رقم [2875]، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والإمام النسائي في سننه، كتاب: فضائل القرآن، باب: السورة التي يذكر فيها كذا حديث رقم [8007]، 5/10، والإمام البيهقي في سننه الكبرى 2/40، كتاب: صفة الصلاة، باب: الدليل على أن ما جمعته مصاحف الصحابة - رضي الله عنهم - كله قرآن، وبسم الله الرحمن الرحيم في فواتح السور سوى سورة (براءة) من جملته، حديث رقم [2205]، والإمام الترمذي في سننه 5/272، حديث رقم [3086]، كتاب: تفسير القرآن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب: ومن تفسير سورة التوبة، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عوف عن يزيد الفارسي عن ابن عباس، ويزيد الفارسي قد روى عن ابن عباس غير حديث، ويقال: هو يزيد بن هرمز، ويزيد الرقاشي هو يزيد بن أبان الرقاشي ولم يدرك ابن عباس إنما روى عن أنس بن مالك وكلاهما من أهل البصرة، ويزيد الفارسي أقدم من يزيد الرقاشي.
_____________________
[2] - الإتقان 1/148.
[3] - من الآية رقم (95) من سورة الحجر.
[4] - البرهان 1/270.
[5] - الإتقان في علوم القرآن 1/148.
[6] - أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 2/435رقم2321، وابن جرير بسنده إلى أبى هريرة 14/59.
[7] - صحيح البخارى كتاب التفسير باب ما جاء فى فاتحة الكتاب 4/1623.
[8] ـ تفسير النكت والعيون للإمام الماوردي 1/20.
[9] - سورة الرعد من الآية: (39).
[10] - سورة الزخرف آية: (4).
[11] - أخرجه البيهقي في سننه الكبرى - كتاب الطهارة - باب الدليل على أن بسم الله الرحمن الرحيم، آية تامة من الفاتحة (1/45) رقم 2218، وقال ابن حجر في تلخيص الحبير: هذا الحديث رجاله ثقات، وصحح غير واحد من الأئمة وقفه، وأعله ابن القطان بهذا التردد، وتكلم فيه ابن الجوزي من أجل عبد الحميد بن جعفر فإن فيه مقالا، ولكن متابعة نوح له مما تقويه وإن كان نوح وقفه لكنه في حكم المرفوع إذ لا مدخل للاجتهاد في عد آي القرآن. تلخيص الحبير 1/232-233.، وينظر الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/133.
[12] - الإتقان 1/149.
[13] - مسند الإمام أحمد 2/448 رقم (9787)، أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين كتاب التفسير - تفسير سورة الفاتحة 2/283 رقم (3019) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص، ينظر: هامش المستدرك نفس الجزء والصفحة.
[14] - الإتقان 1/150.
[15] - الكشاف للزمخشري 1/11، الإتقان أيضًا 1/150.
[16] - الإتقان للسيوطي 1/151.
[17] - فتح الباري - كتاب: التفسير- باب: ما جاء فاتحة الكتاب 8/156.
[18] - صحيح البخاري - كتاب صفة الصلاة - باب القراءة فى صلاة الفجر 1/267 رقم: 738.
[19] - أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التفسير باب (ولقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم) 4/1738 رقم 4427.
[20] - عبد الرحمن بن بشر بن مسعود، أبو بشر الأنصارى، كان من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. روى عن ابن مسعود، وعنه النخعي وغيره. التاريخ الكبير 5/261، والجرح والتعديل 5/214.
[21] - أخرجه مسلم في صحيحه 4/1727 رقم (2201).
[22] - تفسير الطبري 14/58.
[23] - فتح الباري 8/381.