• ×
السبت 20 أبريل 2024 | 06-04-2024
×

كَيفَ لَزِمت حجَّة الْقُرْآن غير العرب وهم لا يعلمون اللغة العربية؟

0
0
361
 قال أبو بكر الباقلاني: " فَإِن قَالُوا كَيفَ لَزِمت حجَّة الْقُرْآن الْهِنْد وَالتّرْك وهم لَا يعْرفُونَ أَن مَا أَتَى بِهِ معجز قيل لَهُم من حَيْثُ إِنَّهُم إِذا فتشوا علمُوا أَن الْعَرَب الَّذين بعث فيهم النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كَانُوا أفْصح النَّاس وأقدرهم على نظم الْكَلَام الْعَرَبِيّ وَأَنَّهُمْ النِّهَايَة فِي هَذَا الْبَاب.
وَأَنَّهُمْ مَعَ ذَلِك أحرص النَّاس على تَكْذِيبه - صلى الله عليه وسلم - وَأَنه نَشأ مَعَهم وَأَنَّهُمْ يعْرفُونَ دخيلته وَأهل مُجَالَسَته فِي ظعنه وإقامته وَأَنه مَا كَانَ يَتْلُو من قبله من كتاب وَلَا يخطه بِيَمِينِهِ وَأَنه مَعَ ذَلِك كُله أجمع تحداهم بِمثلِهِ أَو بِسُورَة من مثله مُجْتَمعين أَو مفترقين فعجزوا عَن ذَلِك أجمع كَمَا أَن حجَّة مُوسَى وَعِيسَى - عليهما السلام - قَائِمَة على من لَيْسَ بساحر وَلَا طَبِيب لعلمه بِأَنَّهُمَا تحديا أطب النَّاس وأعظمهم سحرًا بِمثل مَا أَتَيَا بِهِ فعجزوا عَن ذَلِك مَعَ الْحِرْص على تكذيبهما والإتيان بِمثل مَا أَتَيَا بِهِ" [1].
من أَيْن يعلم أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - تحدى الْعَرَب أَن تَأتي بِمثلِهِ وطالبهم بذلك؟ قال أبو بكر الباقلاني: " فَإِن قَالَ قَائِل من أهل الْملَل وَغَيرهم من أَيْن يعلم أَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - تحدى الْعَرَب أَن تَأتي بِمثلِهِ وطالبهم بذلك قيل لَهُم يعلم ذَلِك اضطرارا من دينه، وَقَوله كَمَا نعلم وجوده وظهوره وكما نعلم وجود الْقُرْآن نَفسه اضطراراً، هَذَا على أَنه فِي نَص التِّلَاوَة نَحْو قَوْله: (فَأتوا بِسُورَة من مثله)، و (قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يأْتونَ بِمثلِهِ) وَهَذَا غَايَة التحدي والتقريع وَقد وصل قَوْله: (فَأتوا بِسُورَة من مثله) بقوله: (وَادعوا شهداءكم من دون الله) فَلَا مُتَعَلق لأحد فِي هَذَا الْبَاب"[2].
كَيفية إبطال حجَّة من أَتَى بِكَلَام منظوم وَزعم أَنه مثل الْقُرْآن قال أبو بكر الباقلاني: " فَإِن قَالُوا كَيفَ تبطلون حجَّة من أَتَى بِكَلَام منظوم وَزعم أَنه مثل الْقُرْآن وعروضه قيل لَهُ لعلمنا بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمثل لَهُ وَلَا من جنس نظمه فَإِن قدر على ذَلِك قَادر فليأت بِهِ لنريه أَنه خلاف لَهُ ونعلم ذَلِك بعجز الْعَرَب أَيْضاً عَن مُعَارضَة الْقُرْآن مَعَ الْعلم بِأَنَّهُم أفْصح الفصحاء وأبلغ البلغاء وأشعر وأخطب من على وَجه الأَرْض مِمَّن تكلم بلسانهم بعدهمْ فتعلم بذلك تعذر معارضته على من بعدهمْ" [3].
فرية أن القرآن شعر أو أن القرآن سحر يريد بعض المغرضين أن يقدح في إعجاز القرآن فيقول القرآن ليس كلاماً معجزاً، فما هو إلا ضرب من ضروب الشعر أو ضرب من ضروب السحر، وكل من له ذوق في اللغة والفهم يعلم أن القرآن كلام منثور لكنه معجز ليس كمثله كلام؛ لأنه صادر من متكلم قادر ليس كمثله شيء.
وما هو بالشعر ولا بالسحر؛ لأن الشعر معروف لهم بتقفيته ووزنه وقانونه ورسمه والقرآن ليس منه، ولأن السحر محاولات خبيثة لا تصدر إلا من نفس خبيثة ولقد علمت قريش أكثر من غيرهم طهارة النفس المحمدية وسموها ونبلها إذ كانوا أعلم الناس به وأعرفهم بحسن سيرته وسلوكه.
وقد نشأ فيه وشب وشاب بينهم هذا إلى أن القرآن كله ما هو إلا دعوة طيبة لأهداف طيبة لا محل فيها إلى خبث ورجس بل هي تحارب السحر وخبثه ورجسه وتسمه بأنه كفر إذ قال: (وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ).
ثم إن السحر معروف المقدمات والوسائل فليس بمعجز ولا يمكنه ولن يمكنه أن يأتي في يوم من الأيام بمثل هذا الذي جاء به القرآن [4].
وقال ابن الوزير: "ولو كانت الفصاحة من مقدورات السّحرة، وحيل حذّاقهم المهرة لقدروا بذلك على معارضة القرآن، فكيف وقد عجزوا عن يسير البيان! فأكثرهم لا يعرف وزن بيت من أيّ الأوزان، ولا يدري كيف الجولان في هذا الميدان! فانظروا في هذه المعجزة العظيمة الباقية على مرّ الدّهور الطويلة، التي أخرست مهرة الكلام من العرب وأسكنتهم وأردت فرسان البلاغة فنكستهم، أظهر الله به عجزهم، وأبطل به عزاهم وعزّهم"[5].
---------------
[1]- تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل للباقلاني ص 181
[2]- تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل للباقلاني ص 183
[3]- تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل للباقلاني ص 184
[4] - مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني 2/311
[5]- الرَّوضُ البَاسمْ في الذِّبِّ عَنْ سُنَّةِ أبي القَاسِم - صلى الله عليه وسلم - 2/592