• ×
الخميس 25 أبريل 2024 | 06-04-2024
×

معاً.. نتدبر القرآن

0
0
900
 القرآن هو كلام الله - تعالى -، المنزل على عبده ونبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - المتعبد بتلاوته، المتحدى بأقصر سورة منه، ذلك الكتاب العزيز الذي - حفظه الله - تعالى - منذ أن تنزل على رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا، وتكفل برعايته وصونه في السطور والصدور، تحدى به أرباب البلاغة وأساطين البيان؛ فعجزوا عن الإتيان بعشر سور منه فضلاً عن الإتيان بسورة منه.
وقد امتن الله على عباده بنبيه المرسل، وكتابه المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، حتى اتسع على أهل الافتكار طريق الاعتبار بما فيه من القصص والأخبار، واتضح به سلوك المنهج القويم والصراط المستقيم، بما فصل فيه من الأحكام، وفرق بين الحلال والحرام، فهو الضياء والنور، وبه النجاة من الغرور، وفيه شفاء لما في الصدور، من تمسك به فقد هدي، ومن عمل به فقد فاز. قال - تعالى -: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [الحجر: 9].
ومن أسباب حفظه في القلوب والمصاحف: استدامة تلاوته، والمواظبة على دراسته مع القيام بآدابه وشروطه، والمحافظة على ما فيه من الأعمال الباطنة والآداب الظاهرة.
هذا هو القرآن الكريم الذي بأيدينا.. فكيف نتدبره ونتعامل معه؟
ولماذا كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يتأثرون به أشد التأثر، ولا نتأثر نحن؟!
كما هو معلوم أن القلب أداة العقل والفهم، وهو الذي يكسب الأعمال خيرها وشرها‏، ‏ وهو مكان الاطمئنان والأمن أو الانزعاج والخوف والرعب‏، ‏ وهو محل الشهادة أو إنكارها‏، ‏ ومحل الثواب أو الإثم‏، ‏ ومحل الهداية أو الزيغ، وهو محل الفهم والفقه أو سوء الفهم واللبس، ‏ قال - تعالى -: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها، فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور‏)[‏الحج‏: 46].
والقلب بيد الله وحده يصرفه كيف يشاء قال - تعالى -: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)[الأنفال: 24].
وقال - تعالى -: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) [الأنعام: 125].
وعلى ذلك، فإذا أردنا أن نفتح القلب للقرآن؛ فعلينا إذن بدوام التضرع إلى الله، والدعاء بأن يرزقنا فهم القرآن وتدبره وتحقيق مقاصده وأهدافه. فنبدأ أولاً: بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ثم البسملة، داعين الله - تعالى -بالمأثور ((اللهم إني عبدك، ابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء همي وحزني، وذهاب همي)) رواه الإمام أحمد وصححه الشيخ شاكر.
وأيضاً الأخذ بالأسباب، وتعلم العلم: فنقرأ قراءة مكثفة واعية عن عظمة القرآن الكريم وأهميته وفضله وحال الصحابة معه -رضوان الله عليهم-، وحال السلف، وكيف كانوا يتأثرون به حتى أنه ليغشى على أحدهم من آية يقرأها، وكيف كانوا يحبون القرآن حباً جماً، فلنحبه نحن أيضاً حباً حقيقياً وليس مجرد شعارات، نحبه حباً عملياً، ولا شك أن القلب إذا أحب شيئاً أقبل عليه واشتاق إليه وتلذذ به.
علامات حب القلب للقرآن:
1- الفرح به ومواصلة قراءته ساعات طوال دون ملل أو ضجر.
2- الاشتياق والحنين إليه دائماً، فإذا بعد العهد عنه لمانع من الموانع فبمجرد أن يزول يقبل عليه بحب واشتياق.
3- كثرة مدارسته ومشاورته، والثقة بتوجيهاته، والرجوع إليه في كل صغيرة وكبيرة في حياته وفي كل ما أشكل عليه من أمور الدنيا.
4- الشيء الأهم وهو طاعته في كل ما أمر به والانتهاء عما عنه نهى وزجر.
فإذا ما حصلنا ذلك، فلا شك وحتماً سنتدبر القرآن ونتلذذ به، ولاشك أن الله - تعالى - يعين عبده على طاعته إن علم منه الإقبال والإصرار على نيل رضاه.
كما ينبغي أن نعرف الهدف من القراءة، فإذا ما حدد الإنسان أهدافه قبل الإقدام على أي عمل؛ سيكون هذا دافعاً وحافزاً على إتمامه على أكمل وجه.
فما هي أهداف قراءة القرآن الكريم؟
أولها: العلم:
وهي الغاية العظمى والهدف الأسمى للقرآن، وهي الفائدة التي تعود على القارئ، وإلا ستكون التلاوة عبارة عن كلمات تردد دون أن تترك في القلب أي أثر. وقد أمرنا الله - تعالى - بالتدبر فقال: (أفلا يتدبرون القرآن.. ). ويبين في آية أخرى أنه إنما أنزله ليتدبره الناس قال - تعالى -: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب).
ونتعلم من القرآن التوحيد، والعلم بذات الله - تعالى - وأسمائه وصفاته وأفعاله، والعلم بالكتب والرسل، والعلم باليوم الآخر، وكذلك نتعلم منه الأوامر والنواهي وأخبار الأمم السابقة وأحوالهم مع رسلهم وغير ذلك.
قال ابن مسعود رضي الله عنه-: "إذا أردتم العلم فانثروا هذا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين" ا. هـ
وقال الحسن بن علي رضي الله عنه-: "إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم؛ فكانوا يتدبرونها بالليل، ويتفقدونها في النهار" ا. هـ.
كل ذلك لا يتحقق إلا بقراءة راسخة واعية، مع التدقيق والتركيز، وأن يظل الإنسان دائماً على اتصال مع القرآن، دائم المراجعة له.
ثانيها: قراءة القرآن بقصد العمل به:
أن يقرأه ليمتثل ما به من الأوامر، وينتهي عن النواهي، فيقرأه ليعمل به، لا مجرد قراءة تمر على القلب مرور الكرام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "يجب أن ُيعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه، فقوله - تعالى -: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)[النحل: 44] يتناول هذا وهذا، وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن - كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما رضي الله عنهم- أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم جميعاً" رواه ابن جرير الطبري، (راجع: الإتقان 2/389)، و(التفسير الكبير 2/132). فما أحوجنا إلى هذه المنهجية في التعامل مع القرآن.
لابد أن يُرى أثر القرآن في تعاملنا مع الآخرين وأخلاقنا، فقد أجابت عائشة - رضي الله عنها - حين سئلت عن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: "كان خلقه القرآن" (جزء من حديث رواه مسلم)، فالقرآن منهج حياة.
ثالثها: قراءته بقصد المناجاة:
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه-: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يجهر بالقرآن)). ومعنى أذن: استمع.
وأخرج ابن ماجه عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لله أشد أذناً إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته)).
وعن عبد الله بن المبارك رحمه الله- قال:" سألت سفيان الثوري قلت: الرجل إذا قام إلى الصلاة أي شيء ينوي بقراءته وصلاته؟ قال: ينوي أنه يناجي ربه".
وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن البياضي: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: ((إن المصلي يناجي ربه - عز وجل -، فلينظر ما يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن)).
فإذا علم كل منا أن الله يسمعه، واستشعر أنه يناجي الله تعالى؛ فإن في ذلك الأثر العظيم والدافع القوي على مواصلة التلاوة، واستدامة التدبر والتفاعل مع القرآن، فإذا مر بتسبيح سبح، وإذا مر بوعيد استعاذ، وإذا مر بوعد يسأل الله الجنة ويسأله من خيره العظيم.
إنها قراءة حية يعي فيها العبد ما يقرأ ولماذا يقرأ، ومن يخاطب بقراءته، وماذا يحتاج منه، وما يجب له نحوه من التعظيم والتقديس.
إن تربية النفس على هذا المقصد يقوي فيها مراقبة الله - تعالى - في حال النشاط، وهي مقبلة فيكون حاجزاً لها عند الفتور والإدبار.
قال ابن القيم - رحمه الله (كتاب الفوائد): "إذا أردت الانتفاع بالقرآن! فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألق سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به - سبحانه - منه إليه فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله "ا. هـ
يروى عن الحسن البصري - رحمه الله تعالى - أنه قال: "حملة القرآن ثلاثة نفر: رجل اتخذه بضاعة ينقله من مصر إلى مصر يطلب به ما عند الناس.
ورجل حفظ حروفه وضيع حدوده، واستدر به الولاة واستطال به على أهل بلده، وقد كثر هذا الضرب في حملة القرآن لا كثرهم الله - عز وجل -.
ورجل قرأ القرآن فوضع دواءه على داء قلبه، فسهر ليلته وهملت عيناه، وتسربل بالخشوع وارتدى واستشعر الحزن، ووالله لهذا الضرب من حملة القرآن أقل من الكبريت الأحمر، بهم يسقي الله الغيث وينزل النصر ويدفع البلاء".
رابعها: قراءته بقصد الثواب:
فالمؤمن يقرأ القرآن طالباً المثوبة من الله - تعالى - والعطاء الجزيل، وفي ترتيب الثواب على قراءة القرآن نصوص كثيرة منها:
عن عائشة - رضي الله عنها-: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده، وهو عليه شديد فله أجران)) متفق عليه.
وعن عثمان بن عفان - رضي الله - عن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) رواه البخاري.
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر)) رواه البخاري ومسلم.
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله - تعالى - يرفع بهذا الكلام أقواماً ويضع به آخرين)) رواه مسلم.
وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)) رواه مسلم.
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)) رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله - تعالى - فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف)) رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح".
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب)) رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله - يدرسونه- ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)) رواه مسلم.
خامسها: قراءته بقصد الاستشفاء:
القرآن شفاء ودواء.. يشفي الأبدان من الأمراض والأدواء والأوجاع، قال تعالى-: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) [الإسراء: 82].
وشفاء للقلوب من أمراض الشبهات والشهوات، وشفاء لما في القلوب من أدواء الشرك والنفاق وسائر الأمراض التي يشعر من أجلها بضيق الصدر؛ كالشك في الإيمان، والبغي والعدوان، وحب الظلم وبغض الحق والخير، وهو يحيي القلوب كما يحيي الماء الأرض.
وقال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:57-58].
وقال- تبارك وتعالى -: (ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي، قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء، والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى، أولئك ينادون من مكان بعيد) [فصلت: 44].
يقول ابن تيمية - رحمه الله -: "وَالْقُرْآنُ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَمَنْ فِي قَلْبِهِ أَمْرَاضُ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ، فَفِيهِ مِنْ الْبَيِّنَاتِ مَا يُزِيلُ الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ، فَيُزِيلُ أَمْرَاضَ الشُّبْهَةِ الْمُفْسِدَةِ لِلْعِلْمِ وَالتَّصَوُّرِ وَالْإِدْرَاكِ، بِحَيْثُ يَرَى الْأَشْيَاءَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مِنْ الْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالْقَصَصِ الَّتِي فِيهَا عِبْرَةٌ مَا يُوجِبُ صَلَاحَ الْقَلْبِ، فَيَرْغَبُ الْقَلْبُ فِيمَا يَنْفَعُهُ وَيَرْغَبُ عَمَّا يَضُرُّهُ، فَيَبْقَى الْقَلْبُ مُحِبًّا لِلرَّشَادِ، مُبْغِضًا لِلْغَيِّ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُرِيدًا لِلْغَيِّ مُبْغِضًا لِلرَّشَادِ. فَالْقُرْآنُ مُزِيلٌ لِلْأَمْرَاضِ الْمُوجِبَةِ لِلْإِرَادَاتِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى يَصْلُحَ الْقَلْبُ، فَتَصْلُحُ إرَادَتُهُ وَيَعُودُ إلَى فِطْرَتِهِ الَّتِي فُطِرَ عَلَيْهَا كَمَا يَعُودُ الْبَدَنُ إلَى الْحَالِ الطَّبِيعِيِّ، وَيَغْتَذِي الْقَلْبُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ بِمَا يُزَكِّيهِ وَيُؤَيِّدُهُ كَمَا يَغْتَذِي الْبَدَنُ بِمَا يُنَمِّيهِ وَيُقَوِّمُهُ، فَإِنَّ زَكَاةَ الْقَلْبِ مِثْلُ نَمَاءِ الْبَدَنِ.... ".
ويقول ابن القيم رحمه الله-: "فأما طب القلوب فمسلم إلى الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم-، ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم، وعلى أيديهم. فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأحكامه، وأن تكون مُؤْثرة لمرضاته ولمحابه، متجنبة لمناهيه ومساخطه، ولا صحة لها ولا حياة البتة إلا بذلك، ولا سبيل إلى تلقيه إلا من جهـة الرسل، وما نظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم فغلط ممن يظن ذلك. وإنما ذلك حياة نفسه البهيمية الشهوانية وصحتها وقوتها، وحياة قلبه وصحته وقوته عن ذلك بمعزل. ومن لم يميز بين هذا وهذا فليبك على حياة قلبه، فإنه من الأموات، وعلى نوره فإنه منغمس في بحار الظلمات".
وهذا واضح مشاهد! فإننا نجد أن القلوب تحيا في رمضان لما يحصل من كثرة قراءة القرآن؛ ولذا نجدها مقبلة على الخير والطاعات والصدقات، فإذا انقضى الشهر وهجر الناس القرآن عادوا إلى ما كانوا عليه من موت القلوب وقسوتها.
فلنحدد مقاصدنا ولنقرأ كتابنا، متدبرين متأملين راجين من الله - تعالى - أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا إنه على كل شيء قدير.
المراجع:
- موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين، كتاب آداب تلاوة القرآن للشيخ محمد جمال الدين القاسمي- دار الكتب العلمية (1995م).
- كتاب مفاتح تدبر القرآن والنجاح في الحياة - خالد بن عبد الكريم اللاحم - الرياض، (1425هـ).
- مقدمة في أصول التفسير (ص:8- 9).
- مجموع الفتاوى (10/95).