• ×
الجمعة 29 مارس 2024 | 18-03-2024
الأذكار
×

المقدمة

0
0
1554
 
أَخْلاقُ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ
لِلآجُرِّيِّ

لأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الآجُرِّيِّ الْبَغْدَادِيِّ
الْمُتَوَفَّي سنة 360 هـ


تَحْقِيقُ وَتَعْلِيقُ : حَافظ الإِسْكَنْدَرِيّة
أبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ شِحَاتَه الألْفِيُّ السَّكَنْدَرِيُّ



الطَّبْعَةُ الأُولَى :
1426 هـ /2005 م

رَقَمُ الإيدَاعٍ : 9364/2005


دَارُ النَّشْرِ : دُارُ الصَّفَا والْمَرْوَةِ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ
185 ش جَمَال عَبْد النَّاصِرِ . سِيدِي بِشْرٍ نِهَايَةُ النَّفَقِ .
أَخْلاُق حَمَلَةِ الْقُرْآنِ لِلآجُرِّيِّ
أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الآجُرِّيِّ الْبَغْدَادِيِّ
1. رَوَايَةُ أبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْمُقْرِئُ الْحَمَّامِيِّ عَنْهُ .
2. رَوَايَةُ أبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ الطُّرَيْثِيثِيِّ عَنْهُ .
3. رَوَايَةُ أبِي طَاهِرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السِّلَفِيِّ الأَصْبَهَانِيِّ عَنْهُ .
4. رَوَايَةُ أبِي الْفَضْلِ جَعْفَرِ بْنِ الشَّيْخِ أبِي الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْبَرَكَاتِ الْهَمْدَانِيِّ عَنْهُ .









بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

صَلَّى اللهُ عَلَي سِيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الإِمَامُ الْعَالِمُ أبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ الشَّيْخِ أبِي الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْبَرَكَاتِ الْهَمْدَانِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ ، فِي شَوَّالِ سَنَةَ اثْنَتِي عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ قَالَ : أنَا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْعَالِمُ فَخْرُ الدِّينِ أبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ السِّلَفِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ ، فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ قَالَ : أَنَا أبُو بَكْرٍ الطُّرَيْثِيثِيُّ فِيمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ أَصْلِ سَمَاعِهِ بِبَغْدَادَ قاَلَ : أنَا أبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْمُقْرِئُ الْحَمَّامِيُّ ، قَالَ : أَنَا أبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الآجُرِّيُّ رَحِمَهُ اللهُ ، بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَثَلاثِمِائَةٍ قَالَ :
الْمُقَدِّمَةُ

أَحَقُّ مَا أَسْتَفْتِحُ بِهِ الْكَلامَ ، الْحَمْدُ لِمَوْلانَا الْكَرِيْمِ ، وَأَفْضَلُ الْحَمْدِ مَا حَمِدَ بِهِ الْكَرِيْمُ نَفْسَهُ ، فَنَحْنُ نَحْمَدُهُ بِهِ : « الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا . قَيِّمَاً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيدَاً مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرَاً حَسَنَاً . مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدَاً »( الْكَهْفُ 18/3) ، و « الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ . يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ »( سَبَأٌ 34/2) .
أَحْمَدُهُ عَلَى قَدِيْمِ إِحْسَانِهِ ، وَتَوَاتُرِ نِعَمِهِ ، حَمْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ مَوْلاهُ الْكَرِيْمَ عَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ ، وَكَانَ فَضْلُهُ عَلَيْهِ عَظِيمَاً . وَأَسْأَلُهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ ، وَالشُّكْرَ عَلَى مَا تَفَضَّلَ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ ، إنَّهُ « ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ »( آلَ عِمْرَانَ 3/174) .
وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ ، وَنَبِيِّهِ ، وَأَمِينِهِ عَلَى وَحَيِّهِ وَعِبَادِهِ ، صَلاةً تَكُونُ لَهُ رِضَاً ، وَلَنَا بِهَا مَغْفِرَةً ، وَعَلَى آلِهِ أَجْمَعِينَ ، وَسَلَّم كَثِيرَاً طَيِّبَاً .
أمَّا بَعْدُ .. فَإِنِّي قَائِلٌ ، وَبِاللهِ أَثِقُ لِلتَّوْفِيقِ وَالصَّوَابِ مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ، وَلا قُوْةَ إِلا باللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ :
أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقُرْآنَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَعْلَمَهُ فَضْلَ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ ، وَأَعْلَمَ خَلْقَهَ فِي كِتَابِهِ ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ : أَنَّ الْقُرْآنَ عِصْمَةٌ لِمَنْ اِعْتَصَمَ بِهِ ، وَحِرْزٌ مِنْ النَّارِ لِمَنْ اتَّبَعَهُ ، وَنُورٌ لِمَنْ اِسْتَنَارَ بِهِ ، وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ، وَهُدَىً وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ .
ثُمَّ أَمَرَ اللهُ خَلْقَهُ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ ، وَيَعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ : فَيُحِلُوا حَلالَه ، وَيُحَرِّمُوا حَرَامَهُ ، وَيُؤْمِنُوا بِمُتَشَابَهِهِ ، وَيَعْتَبِرُوا بِأَمْثَالِهِ ، وَيَقُولُوا « آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا »( آل عمران 3/7) .
ثُمَّ وَعَدَهُمْ عَلَى تِلاوَتِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ : النَّجَاةَ مِنْ النَّارِ ، وَالدُّخُولَ إِلَى الْجَنَّةِ .
ثُمَّ نَدَبَ خَلْقَهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا هُمْ تَلَوْا كِتَابَهُ أَنْ يَتَدَبَّرُوهُ ، وَيَتَفَكَّرُوا فِيهِ بِقُلُوبِهِمْ ، وَإِذَا سَمِعُوهُ مِنْ غَيْرِهِمْ : أَحْسَنُوا اِسْتِمَاعَهُ .
ثُمَّ وَعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ ، فَلَهُ الْحَمْدُ .
ثُمَّ أَعْلَمَ خَلْقَهَ : أَنْ مَنْ تَلا الْقُرْآنَ ، وَأَرَادَ بِهِ مُتَاجَرَةَ مَوْلاهُ الْكَرِيْمَ ، فَأَنَّهُ يُرْبِحُهُ الرِّبْحَ الِّذِي لا بَعْدَهُ رِبْحٌ ، وَيُعَرِّفُهُ بَرَكَةَ الْمُتَاجَرَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : جَمِيعُ مَا ذَكَرْتُهُ ، وَمَا سَأَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ ، بَيَانُهُ فَي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمِنْ قَوْلِ صَحَابَتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ، وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ ، وَسَأَذْكُرُ مِنْهُ مَا حَضَرَنِي ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ ، واللهُ الْمُوَفِّقُ لِذَلِكَ .
وقَالَ عَزَّ وَجَلَّ « إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ » ( فَاطِرُ 35/30،29) .
وقَالَ عَزَّ وَجَلَّ « إِنِّ هَذا القُرآن يَهدي لِلَتي هِيَ أَقوَمُ وَيُبَشِرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذينَ يَعمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمُ أَجْرَاً كَبِيْرَاً . وَإِنَّ الَّذينَ لا يُؤمِنونُ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمُ عَذَابَاً أَلِيمَاً »
( الإسْرَاءُ 17/10،9) .
وقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: « وَنُنَزَّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارَاً »( الإسْرَاءُ 17/82) . وقَالَ عَزَّ وَجَلَّ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ »( يُونُسُ 10/57) . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورَاً مُّبِينَاً . فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطَاً مُّسْتَقِيمَاً »( النِّسَاءُ 4/175،174) . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ « وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ »( آلَ عِمْرَانَ 3/103) وَحَبْلُ اللهِ هُوَ الْقُرْآنُ . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ « اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ »( الزُّمَرُ 39/23) . وقَالَ عَزَّ وَجَلَّ « وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنَاً عَرَبِيَّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرَاً »( طَهْ 20/113) .
ثُمَّ إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ لِمَنْ اِسْتَمَعَ إِلَى كَلامِهِ ، فَأَحْسَنَ الأَدَبَ عِنْدَ اِسْتِمَاعِهِ بِالاعْتِبَارِ الْجَمِيلِ ، وَلُزُومِ الْوَاجِبِ لإتِّبَاعِهِ ، وَالْعَمَلِ بِهِ ، يُبَشِّرُهُ مِنْهُ بِكِلِّ خَيْرٍ ، وَوَعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ أَفْضَلَ الثَّوابِ .
فقال عَزَّ وَجَلَّ: « فَبَشِّرْ عِبَادِ . الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ »( الزُّمَرُ 39/18،17) . وقَالَ عَزَّ وَجَلَّ « وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ » إِلَى قَوْلِهِ « وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ »( الزُّمَرُ 39/55،54) .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : فكلُّ كَلامِ ربِّنا حَسَنٌ لِمَنْ تَلاهُ ، وَلِمَنْ اِسْتَمَعَ إِلَيْهِ ، وَإِنَّمَا هَذَا وَاللهُ أَعْلَمُ صِفَةُ قَوْمٍ إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ تَتَّبَعُوا مِنْ الْقُرْآنِ أَحْسَنَ مَا يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللهِ تَعَالَى ، مِمَّا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ مَوْلاهُمُ الْكَرِيْمُ ، يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ رِضَاهُ ، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ، سَمِعُوا اللهَ قَالَ « وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ »( الأعراف 7/204) ، فَكَانَ حُسْنُ اِسْتِمَاعِهِمْ يَبْعَثُهُمْ عَلَى التَّذَكُّرِ فِيمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ ، وَسَمِعُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ « فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ »( ق 50/45) .
وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللهُ عَنِ الْجِنِّ ، وَحُسْنِِ اِسْتِمَاعِهِمْ لِلْقُرْآنِ ، وَاِسْتِجَابَتِهِمْ فِيمَا يَجْذِبَهُمْ إِلَيْهِ ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ ، فَوَعَظُوهُمْ بِمَا سَمِعُوا مِنْ الْقُرْآنِ بِأَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَوْعِظَةِ . قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ « قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبَاً »( الْجِنُّ 72/1) .
وقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ « وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ . قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ . يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ »( الأحْقَافُ 46/31:29) .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ، مَا دَلَّنَا عَلَى عَظِيمِ مَا خَلَقَ مِنْ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ عَجَائِبِ حِكْمَتِهِ فِي خَلْقِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمَوْتَ وَعَظِيمَ شَأْنِهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ وَعَظِيمَ شَأْنِهَا ، ثُمَّ ذَكَرَ الجنَّة ، وما أَعَدَّ فِيهَا لأَوْلِيَائِهِ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ « لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ »( ق 50/35) إِلَى آخِرِ الآيَةِ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ « إِنَّ فِي ذَلِكَ لِذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ »( ق 50/37) .
فَأَخْبَرَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَنَّ الْمُسْتَمِعَ بِأُذُنَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَاهِدَاً بِقَلْبِهِ مَا يَتْلُو ، وَمَا يَسْمَعُ ، لِيَنْتَفِعَ بِتِلاوَتِهِ لِلْقُرْآنِ ، بِالاسْتِمَاعِ مِمَّنْ يَتْلُوهُ . ثُمَّ إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَثَّ خَلْقَهُ عَلَى أَنْ يَتَدَبَّرُوا الْقُرْآنَ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ « أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا »( مُحَمَّد 47/24) .
وقَالَ عَزَّ وَجَلَّ " أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيراً »( النِّسَاءُ 5/82) .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : أَلا تَرَوْنَ رَحِمَكُمْ اللهُ إِلَى مَوْلاكُمْ الْكَرِيْمِ ؛ كَيْفَ يَحُثُّ خَلْقَهَ عَلَى أَنْ يَتَدَبَّرُوا كَلامَهُ ، وَمَنْ تَدَبَّرَ كَلامَهُ عَرَفَ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ ، وَعَرَفَ عَظِيمَ سُلْطَانِهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَعَرَفَ عَظِيمَ تَفَضُّلِهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ ، وَعَرَفَ مَا عَلَيْهِ مِنْ فَرْضِ عِبَادَتِهِ ، فَأَلْزَمَ نَفْسَهُ الْوَاجِبَ ، فَحَذِرَ مِمَّا حَذَّرَهُ مَوْلاهُ الْكَرِيْمُ ، وَرَغِبَ فِيمَا رَغَّبَهُ فِيهِ ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ عِنْدَ تِلاوَتِهِ لِلْقُرْآنِ ، وَعِنْدَ اسْتِمَاعِهِ مِنْ غَيْرِهِ ، كَانَ الْقُرْآنُ لَهُ شِفَاءً ، فَاسْتَغْنَى بِلا مَالٍ ، وَعَزَّ بِلا عَشِيرَةٍ ، وأَنِسَ بِمَا يَسْتَوحِشُ مِنْهُ غَيْرُهُ ، وَكَانَ هَمُّهُ عِنْدَ تِلاوَةِ السُّورَةِ إِذَا افْتَتَحَهَا : مَتَّى أَتِّعِظُ بِمَا أَتْلُوهُ ؟ ، وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ مَتَّى أَخْتِمُ السُّورَةَ ؟ ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ : مَتَّى أَعْقِلُ عَنْ اللهِ الْخِطَابَ ؟ ، مَتَّى أَزْدَجِرُ ؟ ، مَتَّى أَعْتَبِرُ ؟ ، لأَنَّ تِلاوَتَهُ لِلْقُرْآنِ عِبَادَةٌ ، وَالْعِبَادَةُ لا تَكُونُ بِغَفْلَةٍ ، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ .

(1) حَدَّثَنَا أبُو بَكْرٍ عبد الله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَاسِطِيُّ قَالَ : ثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ قَالَ : نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ : نَا سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ يعني ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ : لا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الدَّقْلِ ، وَلا تَهُذُوهُ هَذَّ الشِّعْرِ ، قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ ، وَلا يَكُنْ هَمَّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ .
(2) وَحَدَّثَنَا أبُو بَكْرٍ أيضاً قَالَ : نَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ قَالَ : نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ النَّاجِيَّ يَقُولُ : إِنَّهُ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ : اِلْزَمُوا كِتَابَ اللهِ ، وَتَتَّبَعُوا مَا فِيهِ مِنْ الأَمْثَالِ ، وَكُونُوا فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ . ثُمَّ قَالَ : رَحِمَ اللهُ عَبْدَاً عَرَضَ نَفْسَهُ ، وَعَمْلَهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ ، فَإِنَّ وَافَقَ كِتَابَ اللهِ حَمِدَ اللهَ ، وَسَأَلَهُ الزِّيَادَةَ ، وَإِنْ خَالَفَ كِتَابَ اللهِ أَعْتَبَ نَفْسَهُ ، وَرَجَعَ مِنْ قَرِيبٍ .

(3) أَخْبَرَنَا أبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ قَالَ : نَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ : نَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ : نَا زِيَادُ بْنُ مِخْرَاقٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِي كِنَانَةَ : أنَّ أبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ جَمَعَ الَّذِينَ قَرَأُوا الْقُرْآنَ ، وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ ثَلاثِمَائةٍ ، فَعَظَّمَ الْقُرْآنَ ، وَقَالَ : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ كَائِنٌ لَكُمْ أَجْراً ، وَكَائِنٌ عَلَيْكُمْ وِزْراً ، فَاتَّبِعُوا الْقُرْآنَ ، وَلا يَتَّبِعْكُمْ ، فَإِنَّهُ مَنْ اِتَّبِعْ الْقُرْآنَ هَبَطَ بِهِ عَلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ اتَّبَعَهُ الْقُرْآنُ زَخَّ بِهِ فِي قَفَاهُ ، فَقَذَفَهُ فِي النَّارِ .

(4) حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ قَالَ : نَا الْحُسَيْنُ بْن الًحَسَنِ الْمَرُوزِيُّ قَالَ : نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ : نَا سَالِمٌ الْمَكِيٌّ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْلَمَ مَا هُوَ ، فَلِيَعْرِضْ نَفْسَهَ عَلَى الْقُرْآنِ .

(5) وَحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أيضاً قَالَ : نَا الْحُسَيْنُ قَالَ : نَا عَبْدُ اللهِ قَالَ : نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ « يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ »( الْبَقَرَةُ 2/121) ، قَالَ : يَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ .

(6) أَخْبَرَنَا أبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ قَالَ : نَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ : نَا أبْو مُعَاويَةَ الضَّرِيرُ قَالَ : نَا عَبْدُ رَبِّه بْنُ أَيْمَنَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : إِنَّمَا الْقُرْآنُ عِبَرٌ ، إِنَّمَا الْقُرْآنُ عِبَرٌ .

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : وَقَبْلَ أَنْ أَذْكُرَ أَخْلاقَ أَهْلِ الْقُرْآنِ ، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَدَبْوا بِهِ ؛ أَذْكُرُ فَضْلَ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ ، لِيَرْغَبُوا فِي تِلاوَتِهِ ، وَالْعَمَلِ بِهِ ، وَالتَّواضُعِ لِمَنْ تَعَلَّمُوا مِنْهُ ، أَوْ عَلَّمُوهُ .