• ×
الجمعة 26 أبريل 2024 | 06-04-2024
×

فضل سورة الملك

0
0
469
 من مكفرات الذنوب قراءة سورة الملك، (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
صح عند أحمد وأصحابِ السنن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن سورةً من القرآن ثلاثون آيةً، شَفعتْ لرجلٍ حتى غُفر له، وهي: (تبارك الذي بيده الملك).
وصح عند الحاكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن سورةً من كتاب اللهِ ما هيَ إلا ثلاثونَ آيةً شفعت لرجلٍ فأخرجته منَ النار، وأدخلتْهُ الجنةَ)).
وصح عنه أيضاً أنه قال: ((سورةٌ من القرآنِ ما هي إلا ثلاثون آية خاصمت عن صاحبها حتى أدخلتهُ الجنة وهي تباركَ)).
هذه السورة ليست فقط سبب لمغفرة الذنوب، بل إنها مانعة من عذاب الله ومنجية من عذاب القبر، لذا سُميّت المانعة والمنجية. [رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي] عن عبد الله بن مسعودٍ - رضي الله عنه - قال: ((يُؤتى الرجل في قبره فتؤتى رِجلاهُ، فتقول: ليس لكم على ما قِبَلِي سبيلٌ كان يقرأ سورة الملك، ثم يؤتى من قِبَلِ صدرِهِ أو قال بطنِهِ، فيقول: ليس لكم على ما قبلي سبيلٌ كان يقرأ في سورة الملك، ثم يؤتى من قبلِ رأسهِ، فيقولُ: ليس لكم على ما قبلي سبيلٌ كان يقرأ في سورة الملكِ، فهي المانعة تمنع عذاب القبر، وهي في التوراة سورة الملك من قرأها في ليلةٍ فقد أكثر وأطيب))، وهو في النسائي مختصر: ((من قرأ تبارك الذي بيده الملك كل ليلة منعه الله - عز وجل - بها من عذاب القبر))، وكُنَّا في عهدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نُسميها المانعة، وإنها في كتاب الله - عز وجل - سورةٌ من قرأ بها في كل ليلةٍ فقد أكثر وأطاب.
وقد ذكر المناوي - رحمه الله تعالى - أن هذا لمن لازم على قراءتها، ثم قال: وفي هذا حث لكل أحد على مواظبة قراءتها لينال شفاعتها.
لما كانت سورة الملك بهذه المنزلة وبذلك الفضل الكبير فإنه حق على كل مسلم أن يعرف آياتها ومعانيها التي أوصلتها إلى تلك المنزلة يقول الله - تعالى -: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) أي: تعاظم وتعالى، وكثر خيره، وعمَّ إحسانه.
ومن عظمته أن بيده، ملك العالم العلوي والسفلي، فهو الذي خلقه ويتصرف فيه بما شاء. (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي: ومن عظمته، كمال قدرته، التي يقدر بها على كل شيءٍ، وبها أوجد ما أوجد من المخلوقات العظيمة، كالسموات. (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ) أي: قدر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم. (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أي: أخلصه وأصوبه. وذلك أن الله خلق عباده، وأخرجهم لهذه الدار، وأخبرهم أنهم سينتقلون منها، وأمرهم ونهاهم وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره. فمن انقاد لأمر الله، أحسن الله له الجزاء في الدارين. ومن مال مع شهوات النفس، ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء.
(وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي له العزة كلها، التي قهر بها جميع الأشياء، وانقادت له المخلوقات. (الْغَفُورُ) عن المسيئين، والمقصّرين، والمذنبين، خصوصاً إذا تابوا وأنابوا. فإنه يغفر ذنوبهم، ولو بلغت عنان السماء، ويستر عيوبهم، ولو كانت ملء الدنيا.
(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً) أي: كل واحدة فوق الأخرى، ولسن طبقة واحدة، وخلقها في غاية الحسن والإتقان: (مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ) أي: خلل ونقص. وإذا انتقى النقص من كل وجه، صارت حسنة كاملة، متناسبة من كل وجه، في لونها، وهيئتها، وارتفاعها، وما فيها، من الشمس، والكواكب النيّرات الثوابت منهن والسيارات.
ولما كان كمالها معلوماً، أمر الله - تعالى - بتكرار النظر إليها والتأمل في أرجائها فقال: (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) أي: أعده إليها، ناظراً معتبراً (هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ)] أي: نقص واختلال.
(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) المراد بذلك: كثرة التكرار: (يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ) أي: عاجزاً عن أن يرى خللاً أو فطوراً، ولو حرص غاية الحرص.
ثم صرح بذكر حسنها فقال: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء) إلى (أَصْحَابِ السَّعِيرِ).
(وَلَقَدْ زَيَّنَّا) أي: ولقد جملنا (السَّمَاء الدُّنْيَا) التي ترونها وتليكم. (بِمَصَابِيحَ) وهي: النجوم، على اختلافها في النور والضياء. فإنه لولا ما فيها من النجوم، لكانت سقفاً مظلماً، لا حُسن فيه ولا جمال. ولكن جعل الله هذه النجوم زينة للسماء، وجمالاً ونوراً، وهداية يهتدى بها في ظلمات البر والبحر. ولا ينافى إخباره أنه زيّن السماء الدنيا بمصابيح، أن يكون كثير من النجوم، فوق السموات السبع، فإن السموات شفافة، وبذلك تحصل الزينة للسماء الدنيا، وإن لم تكن الكواكب فيها.
(وَجَعَلْنَاهَا) أي: المصابيح: (رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ) الذين يريدون استراق خبر السماء. فجعل الله هذه النجوم حراسة للسماء عن تلقف الشياطين أخبارها، إلى الأرض.
فهذه الشهب، التي ترمى من النجوم، أعدها الله في الدنيا للشياطين.
(وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) لأنهم تمردوا على الله، وأضلوا عباده ولهذا كان أتباعهم من الكفار مثلهم، قد أعد الله لهم عذاب السعير، فلهذا قال: (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) التي يهان أهلها، غاية الهوان. (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا) على وجه الإهانة والذل (سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً) أي: صوتاً عالياً فظيعاً (وَهِيَ تَفُورُ).
(تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) أي: تكاد على اجتماعها، أن يفارق بعضها بعضاً، وتنقطع من شدة غيظها على الكفار، فما ظنك ما تفعل بهم، إذا حُصِّلوا فيها؟!
ثم ذكر توبيخ الخزنة لأهلها فقال: (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) أي: حالكم هذه واستحقاقكم النار، كأنكم لم تخبروا عنها، ولم تحذركم النذر منها.
(قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ)، فجمعوا بين تكذيبهم الحاضر، والتكذيب العام بكل ما أنزل الله. ولم يكفهم ذلك، حتى أعلنوا بضلال الرسل المنذرين، وهم الهداة المهتدون. ولم يكتفوا بمجرد الضلال، بل جعلوا ضلالهم، ضلالاً كبيراً. فأي: عناد وتكبر وظلم، يشـبه هذا؟
(وَقَالُوا) معترفين بعدم أهليتهم للهدى والرشاد: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) فنفوا عن أنفسهم طرق الهدى، وهي، السمع لما أنزل الله، وجاءت به الرسل، والعقل، الذي ينفع صاحبه ويوقفه على حقائق الأشياء، وإيثار الخير، والانزجار عن كل ما عاقبته ذميمة، فلا سمع لهم ولا عقل. وهذا بخلاف أهل اليقين والعرفان، وأرباب الصدق والإيمان، فإنهم أيدوا إيمانهم بالأدلة السمعية، فسمعوا بما جاء من عند الله، وجاء به رسول الله، علماً، ومعرفةً، وعملاً.
والأدلة العقلية، المعرفة للهدى من الضلال، والحسن من القبيح، والخير من الشر. وهم في الإيمان بحسب ما منَّ الله عليهم به، من الاقتداء بالمعقول والمنقول. فسبحان من يختص بفضله من يشاء، ويمن على من يشاء من عباده، ويخذل من لا يصلح للخير.
قال - تعالى -عن هؤلاء الداخلين للنار، المعترفين بظلمهم وعنادهم: (فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ) أي: بُعداً لهم وخسارة وشقاء. فما أشقاهم وأرداهم، حيث فاتهم ثواب الله، وكانوا ملازمين للسعير التي تستعر في أبدانهم، وتطلع على أفئدتهم!.